أهم الأخبار
تسريبات خطة كوشنر: ليست الأرض مقابل السلام، بل “الحرية مقابل السلام”
بيتر روف
لا تزال التفاصيل الخاصة بصفقة القرن التي جاء بها جاريد كوشنر- مستشار الرئيس ترمب لعملية السلام في الشرق الأوسط- قيد السرية إلى حد كبير. ولكن، مما تم تسريبه للإعلام ” تسريبات خطة كوشنر”، يظهر أن صهر الرئيس قد جاء بمقترحات تولي أهمية أكبر للحلول الاقتصادية والتنموية على حساب مبدأ “الأرض مقابل السلام” المتعارف عليه.
إن كان هذا صحيحًا فهو تطور إيجابي، إذ أن الصفقة قد تكون ماتت فور ولادتها كما قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إلا أنها رغم كل هذا “تبقى بداية جيدة”. إذ أننا، ومنذ زمن بعيد، نسلك الطريق نفسه “الأرض مقابل السلام” في محاولة منا لحل الصراع الممتد منذ عقود، إلا أن هذا النهج لم يأتِ بنتائج ملموسة، باستثناء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي تم توقيعها في عهد الرئيس جيمي كارتر.
إن العمل الدؤوب لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط يجب أن يكون مرتكزًا قبل كل شيء على أساس “استعادة الأمل”؛ فهو أكبر وأهم بكثير من مجرد تغيير يطرأ على حدود أو مساحة أراضٍ بين الجانبين. إنني أرى أن أعظم ما تحتاجه المنطقة في هذا الوقت، وهو بالفعل ما تطمح إليه خطة كوشنر، هو إيجاد مسار نحو حياة أفضل للجميع، الحياة الأفضل التي إن حُرم منها أبناء هذا الجيل فلا يجب أن يُحرم منها أبناؤهم وأحفادهم. إنها باختصار، ترجمة للحلم الأمريكي لمنطقة، الكثير من أبنائها ليس لديهم أصلًا ما يحلمون به.
لذلك، ولأجل أن تنجح هذه الخطة؛ فإن على أنظمة منطقة الشرق الأوسط أن تتكيف مع عدد من التقاليد الغربية وأن تتبنى كثيرًا منها، لاسيما فيما يتعلق بمبدأ حماية الملكية والمساواة أمام القانون. على سبيل المثال، ما يُعرف بـ”العدالة القبلية” أو النظام القضائي القبلي في هذه المنطقة يهدف في غالبه لحماية رأس الملك أو الأمير والعائلات المقربة منهم على حساب المسحوقين وأبناء الطبقة الوسطى، وهذا يجب الخلاص منه للوصول إلى نظام أكثر عدلًا يحصل فيه الرجل والمرأة، بلا استثناء، على فرص متساوية.
قضية شركة تعمير القابضة
بالنظر إلى قضية “تعمير القابضة”، والتي هي على الأرجح أكبر قضية احتيال عقارية في تاريخ منطقة الشرق الأوسط. يقول المالك السابق للشركة عمر عايش، وهو مواطن كندي يعيش الآن في الولايات المتحدة، أنه تم الاحتيال عليه بما لا يقل عن 1.8 مليار دولار من قبل أفراد من عائلة الراجحي السعودية، تلك العائلة فاحشة الثراء التي تربطها علاقة قوية بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. إذ أن المحكمة العليا في دبي توصلت إلى أن أفرادًا من عائلة الراجحي قاموا بنقل أصول شركة تعمير أو بيعها بأسعار منخفضة لشركات تملكها عائلة الراجحي أسست خصيصا لهذا الغرض، في الوقت الذي رفضوا فيه عروضا لبيع هذه الأصول بالقيمة السوقية العادلة، مما تسبب بخسائر فادحة لرجل الأعمال عايش ولمئات من العملاء الأمريكيين والأوروبيين.واصل المستثمر عايش نضاله من أجل تحقيق العدالة لمدة عشر سنوات، ولكن تعيين ولي العهد محمد بن سلمان لأحمد الراجحي وزيرًا للعمل والتنمية الاجتماعية في حكومة بلاده خدم الراجحي الذي لا يزال متهما بالاحتيال والفساد في محاكم دولة الإمارات في القضايا المرفوعة من قبل المستثمر الكندي عايش ومئات الضحايا الآخرين. جوزيف كارول، وهو أمريكي كان يعيش سابقًا في أبوظبي، أمضى هو الآخر عشر سنوات في محاولة منه لاستعادة مبلغ 270.000 دولار استثمرها في شقتين من أبراج مجموعة تعمير.
كارول، كان قد قال في تصريح سابق لعرب نيوز، أنه “لم يحدث أي تواصل معه خلال السنوات العشر الماضية لحل هذه القضية” وأضاف: “لقد شُيدت الأبراج منذ عام 2011 ولم أتلق أي تعويض حتى الآن”. يعتقد عايش أنّه يواجه الفساد وسوء استخدام السلطة، إذ يزعم أن أحمد الراجحي قد استخدم منصبه السياسي للتأثير على إجراءات المحكمة وعرقلتها، وتهديد الخبراء والشهود، وتقديم تقارير كاذبة إلى المحاكم عبر شركة محاسبة عملاقة، ليس هذا فحسب بل عبر شهادات كاذبة قام بها بنك الخليج الدولي، أحد البنوك الكبرى المملوكة جزئيا لحكومة المملكة العربية السعودية، بينما يرفض هو نفسه الرد على مذكرات الاستدعاء أو مجرد تقديم المستندات المطلوبة من المحاكم.
إن القضية التي بين أيدينا لها تداعيات أكبر بكثير من نطاق الأفراد والشركات ذوي الصلة، إذ تطفو على السطح مثل هذه القضايا في الوقت الذي تسعى فيه كل من السعودية والإمارات إلى ترسيخ صورة البلدين كمراكز تجارية دولية تحكمها قوانين ومعايير واضحة وسليمة في بيئة سياسية واقتصادية مستقرة، ولن تنجح مثل هذه المحاولات في الوقت الذي تعمل هذه الدول على إثراء أبناء الطبقة الحاكمة والعائلات المقربة منها والثرية أصلا، بينما يظل أولئك الذين يعملون ليل نهار لتحسين مستوى معيشتهم يراوحون مكانهم.
هناك وجهة نظر غربية وبصرف النظر عن مدى صحتها، تقول أن هذا المستوى من المحسوبية والفساد يخلق أرضًا خصبة للمعارضة، كما ويشكل رافعة للخطاب الديني المغذي للجماعات المتطرفة التي تسعى منذ زمن لإسقاط الحكومات القائمة في المنطقة، إذا كان عايش محقًا فيما يقول، وهناك الكثير ممن يرون ذلك، فإن مشواره نحو العدالة يهدف إلى تحقيق ما هو أكبر بكثير من عدالة خاصه به وبقضيته.
قام عايش بإنشاء مؤسسة العدالة الدولية GJF في مسعى منه لتحقيق العدالة ورفع معايير أخلاقيات العمل في أنحاء العالم، حيث يتمحور دورها الرئيسي في تسليط الضوء دوليا على الحالات التي يقوض فيها الأشخاص المتنفذون العدالة مستفيدين من مواقع السلطة والتأثير التي يملكونها وعبر الاحتيال والفساد والابتزاز الذي يمارسه ذوو الياقات البيضاء.
ما حصل لشركة تعمير القابضة يبعث برسالة صادمة إلى المستثمرين الأجانب ويقلل من حجم الثقة في الاستثمار في هذه المنطقة، إذ أنه لضمان الثقة في دولة الإمارات ودول أخرى كبيئات آمنة للاستثمار الأجنبي، بات من الضروري طمأنة المستثمرين والتأكيد على أعلى المستويات، أنه سيتم متابعة الجرائم المالية المركبة التي ترتكبها شخصيات بارزة تتمتع بنفوذ سياسي كبير. إن رجال الأعمال الفاعلين أمثال عايش لهم دور مهم أيضا في هذا الإطار تماما مثل دور عملية السلام التي يقوم كوشنر والرئيس دونالد ترمب بالترويج لها في المنطقة ذاتها.
ــــــــــ
* بيتر روف هو كبير الزملاء في منظمة “فرونتيرز أوف فريدوم ” ومحرر سابق في مجلة “يو إس نيوز وورلد ريبورت” يظهر أيضا باستمرار كمعلق إخباري على شبكة One America News. هذه المقالة مترجمة عن مقالة بعنوان: Leaks Show Kushner Plan, Freedom For Peace, Not Land For Peaceنشرها موقع https://finance.townhall.com