أهم الأخبار

تطهير الشرق الأوسط من الفساد هو أساس الاستقرار

تطهير الشرق الأوسط من الفساد هو أساس الاستقرار

  • أكتوبر 23, 2019
جون فند

يعتبر الإرهاب ومخاطره أحد العناوين العريضة الرئيسية التي يتم تداولها في معظم الأخبار المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط. ففي الفترة الماضية، تناولت الصحف أخباراً عن هجمات بطائرات مٌسيَّرة ضد منشآت نفط سعودية تم فيها توجيه أصابع الاتهام إلى إيران، ما أدى إلى إثارة الذعر في أسواق النفط العالمية خلال الشهر الماضي، تلاها بعد ذلك بأسبوعين أخباراً عن إصابة ناقلة نفط إيرانية بأضرار جراء هجمات صاروخية.

وقد تعكس مثل هذه العناوين مخاطراَ حقيقية تهدد منطقة الشرق الأوسط على المدى القريب، لكن التهديد الحقيقي بعيد المدى لاستقرار المنطقة يكمن في عدم احترام مبدأ “سيادة القانون”، وهو المبدأ الذي يخضع وفقا له الأفراد والمؤسسات على حد سواء لحكم القانون بموجب قوانين تُطبق أحكامها على الجميع بعدالة ومساواة.

ويهدد فساد القضاء والمؤسسات الحكومية التدفق الحر للبضائع ورؤوس الأموال الضرورية لتعزيز النمو الاقتصادي في معظم أنحاء دول العالم الثالث، وإذا ما تُرك هذا الفساد بدون معالجة جذرية، فقد يؤدي ذلك إلى تزايد التوترات بين الدول، وربما إلى اندلاع حروب تجارية مباشرة بينها. ومن هذا المنطلق، تأتي أهمية دور هيئات الرقابة الخارجية في تعزيز سيادة القانون وتقييد حركة الفاسدين دوليا والمتورطين بانتهاك “سيادة القانون”، وإلزام الدول بمعايير النزاهة والحياد التي تدعي أنها تفي بها، لا سيما وأن “سيادة القانون” باتت في تراجع مستمر في أنحاء مختلفة من العالم.


تطبيق القانون والاستقرار في الشرق الأوسط

وبالرجوع إلى الدراسات الاستقصائية التي شملت 120 ألف أسرة، و3800 خبير في أكثر من 100 دولة، أظهر تقرير جديد صدر عن “مشروع العدالة العالمية” تراجعاً في سيادة القانون عالميا للسنة الثانية على التوالي. وأظهر التقرير أن سيادة القانون تراجعت بشكل واضح في 61 دولة شملها التقرير، في حين لم تشهد 23 دولة أي تغيير عن السنوات السابقة وتحسنت سيادة القانون في 29 دولة، فيما تصدرت الدنمارك والنرويج وفنلندا قائمة الدول الأكثر احتراما لسيادة القانون.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الوضع في الشرق الأوسط مقلق للغاية، إذ كشف تقرير صادر عن شركة Refinitiv، وهي شركة لبيانات الأسواق المالية، عن أن 73 بالمائة من شركات الشرق الأوسط على دراية بوجود جرائم مالية في عملياتها الدولية، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 85 بالمائة في المملكة العربية السعودية.

يزعم محمد بن سلمان، المعروف باسم MBS والذي تولى ولاية العهد في المملكة العربية السعودية في عام 2017، أن اعتقال أعضاء منافسين له من الأسرة المالكة كان يهدف إلى توفير “قدر أكبر من الأمان للمستثمرين”. لكن هذه المزاعم يعتريها الكثير من الشك بالنظر إلى استمرار استهداف المعارضين والمنشقين كما جرى في عملية قتل الصحفي جمال خاشقجي. ومما يضعف مصداقية هذه المزاعم هو التجاهل التام من قبل محمد بن سلمان لتورط أحد وزراء حكومته الحالية، أحمد الراجحي، وزير العمل والتنمية الاجتماعية فيما يوصف بأكبر عملية احتيال عقارية في تاريخ الشرق الأوسط، انطوت على سرقة ونهب أصول شركة “تعمير القابضة”، حيث قدرت قيمة الاحتيال حسب محاكم إمارة دبي بـ 1.8 مليار دولار.

قضية تعمير القابضة

ومازالت قضية “تعمير القابضة” مستمرة في محاكم دبي منذ حوالي أحد عشر عامًا، إذ قدم الشريك المؤسس عمر عايش، وهو رجل الأعمال الكندي والذي تم الاحتيال عليه بنهب حصته في الشركة، أدلة موثوقة تؤكد على أن أفرادا بارزين من عائلة الراجحي المتنفذة في المملكة العربية السعودية، قد تورطوا في عمليات رشوة وتزوير واحتيال واختلاس أصول تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، إضافة إلى تورطهم في عرقلة مجرى العدالة وتهديد خبراء عينتهم محكمة دبي.

ولطالما صرحت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، وخصوصاً دبي، بأنها تبذل جهوداً حثيثة لتحقيق النزاهة والعدالة في محاكمها، حيث أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، في وقت سابق من هذا العام وثيقة “مبادىء دبي الثمانية” التي جاء فيها: “لا أحد فوق القانون في دبي” و”تأخر العدالة ظلم”.

ولكن يبدو أن فشل محاكم دبي في الارتقاء إلى مستوى هذه التصريحات في قضية “تعمير” وغيرها، يهدد سمعة الإمارة كملاذ آمن للاستثمار والتجارة الدولية، لا سيما وأن مؤشر سمعة الإمارات العربية المتحدة قد تراجع من المرتبة 27 في عام 2017، إلى المرتبة 36 في عام 2018 وفقاً لمؤشرات “معهد السمعة” العالمي. ويذكر أن الإمارات العربية المتحدة تحتل، وفقاً لتصنيف “مشروع العدالة العالمية”، المرتبة 30 من بين الـ 38 دولة الأكثر دخلاً.

يشعر المستثمر الكندي الجنسية، عمر عايش، بخيبة أمل تجاه الطريقة التي عُومل بها هو ومئات من الضحايا الآخرين في قضية “تعمير القابضة”، مما دفعه إلى تأسيس “مؤسسة العدالة الدولية“، كمؤسسة غير ربحية تتخذ من العاصمة الأميركية “واشنطن” مقراً لها، وتُكرس جهودها لمكافحة الفساد، ومساعدة ضحاياه الأبرياء، وتعمل بالشراكة مع منظمات ومؤسسات أخرى مشابهة لتعزيز الممارسات التجارية النزيهة.


الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؟

تَرْأَسْ سيدني باول، المدعي الفيدرالي السابق للولايات المتحدة الأميركية، والرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية لمحامو الاستئناف، مجلس “مؤسسة العدالة الدولية” وتقول:” لدينا مشكلة كبيرة في جميع أنحاء العالم؛ يحتاج مجتمع الأعمال إلى بيئة من الأمان والاستقرار للعمل” و “إذا ما أرادت البلدان أن تصبح عواصم جاذبة لرؤوس الأموال، فعليها إنشاء نظام قانوني يطبق سيادة القانون بشكل كامل”.

فإذا ما كانت مناطق مثل الشرق الأوسط تتطلع فعلاً إلى بناء مجتمعات مستقرة وتعزيز النمو الاقتصادي، وإذا كان لنظام التجارة العالمي أن يزدهر، فيجب على الدول منع رموز الفساد من انتهاك سيادة القانون، سواء كان ذلك بسرقة الملكية الفكرية، أو نهب المستثمرين، أو إنكار العدالة بتأخيرها إلى آجال غير معروفة.

نشرها موقع: https://www.nationalreview.com/