أهم الأخبار
كارلوس غصن …. هارب من الظلم ؟
“لم أهرب من العدالة… بل فررت من الظلم”. هذا ما صرح به كارلوس غصن، رئيس مجلس إدارة شركة نيسان السابق، بعد وصوله إلى مسقط رأسه في بيروت قبل ساعات من حلول العام الجديد. غصن كان قد عقد مؤتمرًا صحفيًا في الثامن من يناير الجاري، أكد فيه: “أنا هنا لألقي الضوء على نظام ينتهك مبادئ الإنسانية الأساسية، أنا هنا لأستعيد اسمي وسمعتي…”
في اليوم التالي، جاء الرد من وزيرة العدل اليابانية ماساكو موري عبر بيان دعت فيه غصن إلى “الانخراط في كل الجهود الممكنة لجعل قضيته ضمن إطار إجراءات العدالة الجنائية العادلة في اليابان” مشيرةً أنه “تم توجيه لائحة اتهام إلى غصن بزعم عدم الإبلاغ عن قيمة أجره، وأيضًا بدعوى انتهاكه لقانون الشركات عن طريق خرق شديد للثقة، بعد قيام شركة تابعة لنيسان بتحويل مبلغ مالي ضخم إلى حساب شركة مملوكة له، بغرض الإثراء.”
القضية معقدة بالطبع، هناك مزاعم من قبل المدعين العامين اليابانيين والمدراء التنفيذيين لنيسان بأن غصن قد ارتكب عدة مخالفات. كما تشمل الادعاءات اتهامات بتعاملات عبر الباب الخلفي مع موزعي الشركة بغرض التربح الشخصي، والاحتيال على حكومتي فرنسا واليابان بغية التهرب من دفع استحقاقات ضريبية، وإساءة استخدام أصول الشركة. تمتد الاتهامات أيضًا إلى مدير مكتب غصن، جريج كيلي، الذي لا يزال موجودًا في اليابان.
من جانبه، قدم غصن مستندات وتوضيحات يصرّ بأنها قادرة على تبرئته من أية مخالفات، إذ يرى كارلوس غصن أنه تم تلفيق هذه التهم ضده بأن تم اختراعها عبر شبكة من “الحاسدين” من التنفيذيين في شركة نيسان ومسؤولين آخرين من وزارة التجارة والاقتصاد والصناعة في اليابان، كانوا عازمين، حسب وصفه، على عرقلة أي احتمال للاندماج بين نيسان وشريكتها في التحالف، شركة رينو الفرنسية.
بالطبع، لا يمكن الوصول للحقيقة عبر مثل هذه التصريحات، وفي الغالب، يحذر عامة الناس من التعاطف مع رجال الأعمال الأثرياء. ومع ذلك، فإن النظام القانوني الياباني ليس محصّنا من السؤال. هذا النظام أصبح عرضة مرة أخرى للنقد بسبب معدل الإدانة العالي في اليابان والذي قد يتجاوز نسبة ال 99%، هذا المعدل الهائل من “النجاح” قد يثير الشكوك في كل العملية القضائية هناك، خاصة في المناطق التي يتمتع فيها المدعون العامون بسلطة هائلة.
إذن ما هي الخطوات الأولى لحل قضية كارلوس غصن في شركة سيارات نيسان
في اليابان، هناك حالات نادرة يتم الإفراج فيها عن المتهم عبر الاستئناف، وهذا الأمر يستغرق أحيانًا مدى الحياة، بالضبط كما استغرق الأمر 21 عامًا لتأكيد براءة معلمة حضانة الأطفال إيتسوكو يامادا من تهمة القتل. في نهاية المطاف، الوصول إلى الحقيقة لا ينبغي أن يتم عبر عملية استعراضية أو سرية وإنما يجب أن تكون قضية تحكمها السرعة والشفافية.
لذلك، فإن الأسئلة التي ينبغي طرحها في هذه القضية عبر المسؤولين والمهتمين بإجراءات قضائية نزيهة هي أولًا، إذا كان المدعي العام الياباني لديه مثل هذه القضية الكبيرة، لماذا لم تتم محاكمة غصن منذ اعتقاله في نوفمبر2018…!؟ وثانيًا، لماذا حدثت عدة وقائع مريبة خلال المسار الذي يضفي مصداقية لاتهامات غصن للادعاء الياباني بسوء السلوك؟
وبدلاً من ملاحقة غصن لفقدانه الكفالة ومغادرته البلاد، ينبغي على السلطات اليابانية تشكيل لجنة تحقيق، مدعومة بوجود خبراء مستقلين في عالم التجارة والأعمال والضرائب، لتقييم مدى مصداقية التواطؤ المزعوم بين المسؤولين الحكوميين وأصحاب النفوذ في شركة صناعة السيارات اليابانية، الذين ربما يكونوا بالفعل قد أساؤوا استخدام علاقاتهم مع السياسيين في بلادهم.
قرار غصن بالهروب من المحاكمة ليس مبررًا أبداً، ولكن، مارتن لوثر كنج كان قد تطرق لمثل هذه الحادثة عبر رسالته الصادرة عام 1963 من سجن برمنغهام: “يمكن للمرء أن يسأل: كيف يمكنك الدعوة لخرق بعض القوانين وطاعة الآخرين؟ تكمن الإجابة في حقيقة أن هناك نوعان من القوانين: عادلة وغير عادلة. سأكون أول من يدافع عن طاعة القوانين العادلة، ليست مسؤولية قانونية فقط بل مسؤولية أخلاقية أن تطبق القوانين العادلة، بالمقابل، إنها مسؤولية أخلاقية أن تخرق القوانين الظالمة”.
قضية غصن مع نيسان والنظام القانوني !!
قضية غصن تسلط الضوء على ما يبدو أنه نظام قانوني تشوبه العيوب، وهذا يتطلب التدقيق والتعديل لضمان أن الأبرياء لا يتم سحقهم مع المجرمين هناك. قد يكون غصن أو لا يكون متورطًا في التهم الموجهة ضده، ومع ذلك، فإن السرية المفروضة على قضيته بالإضافة إلى المدة الزمنية الطويلة، قد تضفي بعض المصداقية على الادعاءات التي تطال ما يعرف بنظام “عدالة الرهائن” الياباني، والذي يتم من خلاله احتجاز الذين ينكرون الاتهامات الموجهة إليهم لفترات طويلة بل ويتم إخضاعهم لاستجواب مكثف دون وجود محامٍ يمثلهم.لذلك، فإن مؤسسة العدالة الدولية تحث السلطات اليابانية على بدء إجراءات علنية وشفافة في هذه القضية لطمأنة المجتمع الدولي بأن اليابان تضع حيادية القانون فوق مصالح الشركات.