أهم الأخبار

هل تورطت شركة PwC في أسوأ عملية احتيال عقاري في تاريخ الشرق الأوسط؟
صحيح أن العالم شهد أحداثا اقتصادية بالغة الأهمية في العامين الأخيرين، ولكن، حان الوقت للبدء في التركيز بشكل أكبر على بعض اللاعبين الحقيقيين في الاقتصاد العالمي والذين ينشطون من وراء الكواليس، إذ أن هؤلاء بمقدورهم أن يساهموا في الحفاظ على استمرارية القاطرة الاقتصادية وصعودها أو قيادتها نحو الهاوية والخراب.هناك مجموعة من أكبر شركات المحاسبة في العالم، بكل أسف، تتقن فن المراوغة وتعاني من آفة “تضارب المصالح” تلك الآفة (التي تعرفها الأمم المتحدة أنها تنشأ على صعيد الشركة أو المنظمة في الوقت الذي تكون فيه غير قادرة، بسبب أنشطة أو علاقات أخرى، على تقديم خدمات نزيهة). مثل هذه الأخلاقيات الخبيثة وغيرها يمكن أن تقوّض المعاملات التجارية وتعيق النمو الاقتصادي في العالم أجمع. أحد أبرز هذه الشركات هي شركة برايس ووتر هاوس كوبرز، المعروفة اختصارا ب PwC، التي قد تكون لعبت دورًا بارزًا في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال العقارية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، مما ساهم في نشر ثقافة الإفلات من العقاب للشخصيات الفاسدة صاحبة النفوذ القوي، الأمر الذي يهدد الاستثمار والتجارة والازدهار في المنطقة والعالم.
رجل الأعمال الكندي عمر عايش كان يتطلع إلى أن يكون عنوانًا لقصة نجاح جديدة في دبي عندما كانت شركته، تعمير القابضة، في عام ٢٠٠٨، تستعد لاكتتاب عام أولي، حيث قام بنك الخليج الدولي وقتها بتقييم محفظة الشركة بمبلغ خمسة مليارات دولار، وكان عايش مالكًا ما نسبته ٢٥٪ من الشركة في ذلك الوقت.
ولكن، قام شركاؤه، وعبر خطة اختلاس معقدة، بالاحتيال عليه والاستيلاء على حصته في الشركة.
شركاء عايش من عائلة الراجحي صاحبة النفوذ القوي في المملكة العربية السعودية، وهم خمسة أشقاء أحدهم رئيس مجلس إدارة الراجحي — أكبر بنك إسلامي في العالم – وشقيقه وزير العمل والتنمية الاجتماعية السعودي المعين حديثًا. لقد قام هؤلاء عن طريق الاحتيال بنقل أو “بيع” أصول مجموعة تعمير لشركات تملكها عائلة الراجحي لتدمير القيمة السوقية للشركة. سلك رجل الأعمال عمر عايش طريق العدالة، ومضى نحو المحكمة العليا في الإمارات العربية المتحدة (قضية عايش ضد تعمير، رقم ١٠٢٣ و١٠٢٧/٢٠١٤) التي حكمت لصالحه في عام ٢٠١٨.
ولكن، مما يبعث على القلق أن المشكلة الكبيرة في هذه القضية لا تنحصر في النخب السعودية الفاسدة إذ أن هناك شركاء لهم في عملية الاحتيال الضخمة. إذ أنه في عام ٢٠١١، قام أحمد الراجحي بتكليف أحد الشركاء في PwC بإعداد تقرير “خبرة” لإجراءات التحكيم، والذي خلص إلى أن “القيمة الحالية لمجموعة تعمير صفر وكانت صفر منذ ما قبل مايو ٢٠٠٨”، مما يتناقض مع تقرير بنك الخليج الدولي للشركة عن نفس الفترة.
لقد وصل البنك إلى تقييمه هذا بعد عام كامل من الدراسة مستندًا إلى المشروعات قيد التطوير في ذلك الوقت والنمو المتوقع للمشروعات المستقبلية. ولكن، بعد سنوات من هذا التقييم، خلصت شركة PwC، وفي غضون أشهر قليلة، إلى أن الشركة بلا قيمة مدعية أن المستحقات المطلوبة من الشركة قد تجاوزت قيمة الأصول، هذا التقرير صدر في الوقت الذي كان فيه أبناء الراجحي قد توقفوا عن إصدار الميزانيات المالية المدققة للشركة منذ عام ٢٠٠٧. جاء هذا التقرير أيضا في الوقت الذي كانت مجموعة تعمير تمتلك ١٦ قطعة أرض وبرج قيد الإنشاء، في مدينة تعد من أهم الوجهات الاقتصادية على مستوى العالم، لم تكن تعمير شركة فارغة من الأصول.
تساؤلات منطقية حول تورط شركة PwC في عملية احتيال عقاري
هناك تساؤل منطقي: ما الذي يدفع أحد أكبر العائلات التجارية المستثمرة في المنطقة أن تستحوذ على ما قيمته ٧٥٪ من شركة عديمة القيمة؟ والجدير بالذكر أنه بعد عقد من عملية الاحتيال، قام مؤخراً ستة من خبراء المحكمة بتقييم الشركة بأكثر من خمسة مليارات دولار؛ مؤكدين أن الاحتيال قد بلغ ما قيمته ١.٢ إلى ١.٨ مليار دولار.
شركة PwC لديها تاريخ من التورط في الفضائح المحاسبية، بما في ذلك عشرات القضايا التي حدثت في العقد الماضي وحده، مما دفع مجلة Fortune إلى نشر تقرير عن أسوأ خمس فضائح في تاريخ الشركة، يتضمن ذلك أن هذه الشركة دفعت كل من شركة Tyco وشركة Taylor Bean & Whitaker Mortgage بالإضافة إلى شركة MF Global إلى الإفلاس باستخدام “توصيات محاسبية مضللة” بالإضافة إلى غسيل أموال بقيمة 100 مليار دولار لإيران والسودان وميانمار، الدول المدرجة في القائمة السوداء للإرهاب أو انتهاكات حقوق الإنسان، بناءً على طلب من بنك طوكيو ميتسوبيشي.
يبدو أن التلاعب في الأسواق النامية هو أحد تخصصات PwC، مثل فضيحة Satyam Computer Services في الهند، حيث انخرط مراجعوهم هناك في احتيال مشابه أدى إلى اعتقال الحكومة الهندية للرئيس التنفيذي لشركة PwC ومنعهم من التدقيق في أي شركة مدرجة في البورصة لمدة عامين. نفس الشركة PwC قد تكون تورطت في إشكالات مماثلة في حالة الاحتيال التي ضربت مجموعة تعمير في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن هذه المرة قد يفلتون منها عبر تمكين عائلة الراجحي من حرف بوصلة الإجراءات القضائية بواسطة التقارير المزيفة والمضللة.
عمر عايش يمتلك أدلة تدين شركة PWC
“لدي كل المستندات، وكل الأدلة اللازمة للحصول على حقوقي. لكنني مع الأسف، لم أحصل عليها حتى الأن وهناك مئات الأشخاص كانوا ضحايا لنفس الممارسات.” بهذه الكلمات خاطب رجل الأعمال عمر عايش الحضور في مؤتمر صحفي أُقيم مؤخراً في العاصمة الأمريكية لكشف النقاب عن مؤسسة العدالة العالمية التي أسّسها الرجل لمحاربة هذا النوع من الفساد. واصل الرجل مخاطباً الحضور: “على الرغم من امتلاك كل هذه المستندات وتقديمها إلى المحكمة، إلا أنني لم أتمكن بعد من الحصول على حقوقي. لماذا؟ لأنه ببساطة ليس جميع الناس هناك خاضعين للقانون، هناك بعض الأشخاص فوق القانون، يستغلون نفوذهم السياسي والمالي لسرقة الناس وإساءة استخدام النظام القضائي “.
وفقًا لعايش، فإنه يتعين على شركة PwC أن تكشف النقاب عن البيانات المالية التي تمتلكها عن مجموعة تعمير منذ عام ٢٠٠٧ حتى الآن. والتي استخدمتها للوصول إلى النتيجة التي قالت فيها أن الشركة أصبحت منعدمة القيمة، هذا إن أرادت الشركة أن تنفي تورطها في هذه القضية وإن أرادت أن تثبت أيضا عدم وجود تضارب في المصالح بينها وبين أبناء الراجحي، وهذا شرط أساسي لأي تقرير مستقل.
شركة PwC، والتي تجنبت الإجابة على التساؤلات الواردة في هذا المقال، لها علاقة وثيقة مع المملكة العربية السعودية حيث تنشط شركة المحاسبات العملاقة هناك كمستشار مالي لعائلة الراجحي وشركات أخرى. بالنظر إلى الملايين أو حتى المليارات المطروحة على الطاولة، قد يتساءل أحدهم إن كانت الشركة فعلا متورطة في تضارب المصالح. ولكن، شركة PwC كانت أيضا عرضة وبشكل جدي للنقد بسبب علاقتها بالرياض التي تقوم بعملية تطوير وتحديث للجيش السعودي في الوقت الذي يتورط هذا الجيش في حرب عبثية وغير مجدية في اليمن.
لهذا، وبالنظر إلى تلك الفضائح الرهيبة، قد يتحول نشاط شركة PwC على الصعيد الاستراتيجي إلى الدول التي لا تشكل فيها سمعتها السيئة مشكلة كبيرة بالنسبة لها.
وأيضا، من المهم الإشارة إلى أن مثل هذه القضايا لا تلحق الأذى بالأفراد المتضررين منها وحدهم، بل بكامل قطاعات الدولة التي يحدث فيها هذا المستوى من الاحتيال. إنّ قادة الدول الذين يسمحون بهذه الدرجة من الاحتيال ضد المستثمرين الأجانب يتسببون في هروب المستثمرين، مما يسبب الركود الاقتصادي والفقر في بلدانهم. أعتقد أن دولة الإمارات لا ترغب بهذا، ولا المملكة العربية السعودية أيضا.
* جاريد وايتلي هو سياسي مقيم في العاصمة الأمريكية منذ وقت طويل، مهتم في الكتابة عن تأثير الأنظمة الحكومية على التجارة والأعمال. عمل في مجلس الشيوخ الأمريكي والبيت الأبيض وقطاع الدفاع. تخرج من كلية هولت الدولية للأعمال في دبي وهو زميل في مؤسسة العدالة الدولية.